أنا والوقت

"مع إعلان نهاية اليوم بأذان المغرب، في أول يوم من أيام التوقيت الشتوي، وغياب الشمس لبلاد أخرى، أعلن أن سيف الوقت قطعني إربًا فلم يبقى فيّ إرب متصل بآخر!  

 

بدأت يومي بحماسة ووضعت جدولًا زمنيًا لإتمام ما علي فعله وكان دقيقًا جدًا إذ كان محددًا بالدقيقة ومع فسحات بسيطة أعطيتها لنفسي لتضيع هنا وهناك لتتسرب المرونة للجدول ويكون ماءًا جاريًا لا طينًا ووحلًا.  

 

ولكن محاولاتي هذه باءت بالفشل الذريع، فقد انقضى اليوم وأنا في أول بند من بنود الجدول والذي وُضع له 20 دقيقة فقط أخذ ساعة!  

 

ولمّا وجدتني غير قادرة على ضبط زمام الأمور، أرخيتها أكثر وأعطيتني نزهة قصيرة في الحي، هذا الحي الغريب الذي أسكنه منذ أقل من شهرين، حيٌ لا مثيل له في كل عمّان العاصمة الميتة، التي تحشوها علب الأسمنت الكبيرة المسماة بالبنايات، ولا تميز صيفها من ربيعها لشح الخضرة والأشجار فيها.  

 

حي اسكان أبونصير، بُني من قبل صينيين، بتصميم غريب عن أحياء عمّان، فتبنى فيه البيوت وفق التضاريس الطبيعية للمنطقة، فيكون البيت من الداخل متعرجًا بين هبوط وصعود، أي لا يحتاجون لتسطيح الأرض لأجل البناء، والشقق في ذات البناية مقسّمة طوليًا وليس عرضيًا فيكون البيت الواحد أكثرمن طابق، والتداخل عجيب بين الشقة والشقة، فجدران الغرفة الواحدة تتشارك مع أكثر من جار والطابق مكونٌ من غرفتين على الأكثر في الشقة الواحدة.  

 

الأزقة بين البيوت جميلة جدًا تؤهلها لتكون مزارًا، ولا أعرف لماذا أهل عمّان لا يحفلون بهذا الحي أبدًا، فلم أسمع به رغم معرفتي الجيدة جدًا بعمان وأنا ابنة الشمال البعيد، يتشارك الجيران بهذا الحي بالشرفات فكلها مطلة على بعضها، منهم من ينشئ جدران خصوصيته بالأشجار الكثيفة العالية ومنهم من يفرد جلسته مقابل جاره بلا حاجز فتظن أنها جلسة واحدة، لولا اختلاف الأذواق في اختيار الجلسات.  

 

هذا التقارب البديع في هذا الحي، يجعل من عمان مكانًا يُطاق بعض الشيء، فتشعر أن هذه الأزقة تربت على كتفك حين تشم رائحة طعام مطبوخ هنا ورائحة الزهور هناك أو رائحة الغسيل المعطّر في مكان آخر، وحين ترى الأطفال يلعبون بأمان لا تخاف عليهم من السيارات حيث لا مكان للسيارات بين البيوت فالكراج يكون غالبًا في بداية كل مجمّع سكني فقط، ولا من الغرباء فالجميع هنا يعرف بعضه ولو كان هذا غريبًا في عواصم البلاد.  

 

ها أنا ذا ألملم أشلائي بعد هذه النزهة القصيرة لاستغل ما بقي من اليوم لعلي أنتصر على الوقت في آخر جولة، وأؤدي ما عليّ بأقل الخسائر وبهذا السطر أكون أنهيت جزءًا مهمًا من جدول اليوم ومنه سأنطلق للتالي."

Comments

Popular posts from this blog

الحب

نحن والحرب الأوروربية

شجر البلوط