Posts

لماذا التخلّي عن الأحلام؟

يطول الليل على كل حالم بسخاء، كي يحلم أكثر ويخطط  ويتخيل، وكما هي الحياة في دورانها لا يمكن عيشها بليل فقط، فلا بد للصبح من الانبثاق، والصبح هي فرصة الحالم ليحوّل الأحلام واقعًا يعيشه، وفي الصبح تظهر المعرقلات والمعوقات، ويمحو النهار خطط الليل باصطدامه مع الواقع الصعب، فليس تحقيق الحلم كالحلم فقط وليس الساعي كالحالم.  بالسؤال المشهور الذي يُطرح على جميع الأطفال "ماذا تريد أن تصبح عندما تكبر؟" تبدأ الأحلام وإن كانت من غير وعي حقيقي بالجواب، وتطير بنا الأجوبة إلى عوالم بعيدة محلقة في فضاء الأمل، طيّارًا معلّمًا طبيبًا… وغيرها، وهذا من طبيعتنا البشرية فما نحن دون أحلامنا وطموحاتنا؟  ومما يثني عزيمة الحالم عن السعي -وهو موضوع هذا المقال-، تفكيره بلحظة الفشل والخوف منه فيؤثر عدم المحاولة على إصابته بسهام الفشل، وما يليه من جروح الانتقاد والتشفّي من المجتمعات المتصيدة للمخطئ، وفي حالة أخرى يكون الحالم متلذذًا بالعيش في الخيال أما السعي ومفهومه وما يتطلبه من صبر ورباطة جأش فلا قدرة له عليه، فهو قليل الحيلة تغنيه صورته المتخيلة على قمة الجبل وهو في درك الوادي.  والحالم المتق...

نحن والحرب الأوروربية

 عجيبٌ الاندهاش العربي من تفاعل العالم مع حرب أوروبية، وكأن حجاب العنصرية ينكشف لأول مرة عن أوروبا والغرب عامة، مقارنات على كافّة الأصعدة، مثيرون للشقفة نظن أن الغرب يعدنا بشرًا يستحقون حياة كريمة، ونستجدي منهم تعاطفًا وعدلًا وهم بعيدون كل البعد عن العاطفة والعدل،.  وبعد كل الصور والشهادات الحية على انعدام انسانية الغرب تمامًا وازدواجيته في كل المعايير ومحاولاته لترسيخ صورة واحدة من منظور واحد يبثها الإعلام الغربي بما يتناسب مع رؤى حكوماته ويزينها كحقيقة منصفة لا جدال فيها، آن لنا كعرب ومسلمين تبادل الأدوار، تهشيم نظرتنا الدونية لأنفسنا والوعي بحقيقة هذه النظرة التي زرعها الغرب وروّج لها وسخّر لها أدواته وآلياته، آن لنا أن نحتقر هيمنة الغرب ونقدّر أنفسنا ونحاول فعلًا لا قولًا وجعجعةً باستعادة أمجادنا التي لا طريق لاستردادها إلا إذا آمنا بكونها أمجادًا سُرق بريقها.  آن لنا أن نكفر بإنسانية الغرب، وتسوّل الاهتمام منه والعودة للدين الذي هو أساس عزّنا فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام ولما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله. 

ريّان

 لقد منّ الله على ريان أن أخذه لجواره حيث لا نَصَب ولا وصب، إلى العدل المطلق، والرحمة الواسعة من ضيق البئر وحلكته لنور الله وسعته نجى ريان من البئر، ودُفنّا نحن في بئر الضيق، تبتعلنا دوامات محاسبة النفس، وسؤالها عمّا مات فينا، وما أحياه ريان، وعن الانسانية التي ندّعيها وكيف تشكّلت ومن ساهم في صنع هذا القالب وكيف طبّعناه ووافقنا عليه؟  أليست الانسانية هي الهم الذي يجمع البشرية الجمعاء، على أنهم ذوو قيمة واحدة؟ تتوحد النفس البشرية أمامها على اختلاف الأعراق والأديان والأشكال والألوان؟ إذًا ماذا عن أطفال الحروب؟ أطفال اليمن الذين يقضون سنينًا طوال وهم في مرمى القنص والقتل والتجويع والمرض؟  وماذا عن أطفال سوريا؟ الذين جرّبوا كل أنواع الموت، خوفًا وغرقًا وحرقًا وخنقًا، جوعًا وبردًا؟ لماذا لم يتداعى لهم جسد المسلمين بالسهر والحمّى كما كنا مع ريان؟  أطفال فلسطين، وأطفال المسلمين في السويد زالهند والصين؟ نُخلق مع إثم لا يمحوه عنا الغرب ولو اتبعنا ملَّتهم، إثم أننا عرب مسلمين،  نُصلب على أثره ونقتل بأبشع الطرق دون النظر لسننا ولا مقامنا ولا حالنا، وبتنا اليوم نقتل بعضنا ب...

استعادة الدهشة

هل ممكن للإنسان أن يستعيد دهشته؟  حالات الذهول والاستغراب والتعجّب؟ هل يمكن لنا ألا نتصرف بشكل طبيعي عند قيامنا بالأشياء لأول مرة؟  بعد أن صار العالم على كبره واتساعه مشاهَدًا عبر شاشة مستطيلة ضيقة، تنكب عليها رؤوسنا ضالين بغير هدى، نعبر أنهارًا ونتسلّق جبالًا ونقفز من مرتفعات خطرة، نمارس عزلتنا وتواصلنا على هذه الشاشة،  العالم كله بات مأسورًا وراء قضبان التقنية.  أريد أن أرى العالم بعيون طفل يرى الثلج لأول مرة، بتحرر من التوقعات السابقة عن كل شي، ألّا أعتاد كل ما أراه، وأتنبّه للجديد في كل المشاهد المكررة حد الملل، أظن هذا ما يسمّى بإدارة التوقعات علميًا ولو كان سيُساعد باستعادة الدهشة فلن أتردد بتعلمه وتطبيقه لاستعادة الطفل الذي كنته يومًا.  

الغروب

"يتشكّل كل يوم بلوحة، يلقي بماء قلبه في يوم حنين قاسٍ على صفحة السماء، فترى شفقًا أحمرًا متمازجًا مع زرقة السماء، كأنها رشقة ألوان سقطت في كوب ماء..  ويتلوّن أحيانًا بلون برتقاليّ، خفف من حدة اصفرار الشمس بعد يوم طويل متعب، فيهدئ من روعك ويبعث الطمأنينة فيك أن كل شيء مهما شدّت حدّته سيخف، تمامًا كلهيب الشمس.  وتارةً يتمثّل على شكل زهرة في أوج تفتحها بتلاتها تمتد على وسع السماء، وساقها يصل لنقطة المغيب، تمنحك سرورًا وتملأ قلبك بالبهجة مهما عبست الأرض في وجهك.  لوحة بديعة يرسمها الخالق ويعكس فيها جمال خلقه، ليس لها وطن ولا مكان تكون فيه أجمل من آخر، فلا تستطيع بحضرتها إلا التسبيح والتعظيم والتوحيد للخالق المصوّر، فسبحانه عما يصفون والحمدلله رب العالمين."

الحب

 "انتظرتك طويلًا وتخيلتك كثيرًا، ظنت فيك الظنون، وحلمت بك الأحلام، أرادت فارسًا لأحلامها، ودفئًا لبرد روحها.  فكنت أكثر من هذا كله، كانت طموحاتها بسيطة بالنسبة لما أنت عليه، فكنت قلبًا احتواها وقبلها بعيوبها قبل حسناتها، وحصنًا منيعًا لضعفها، وجسرًا مرّت به لعالم كأنه العالم الموازي الذي يكثر الحديث عن مثاليته، هل أعماها الحب؟ ربما  ولكنها الآن في سكرة الحب، وكأنه النعيم.  "

شجر البلوط

 لم يكن لهذه القطعة الجغرافية البسيطة، نصيب وافر من مناظر الطبيعة الخلابة، بعد تفكيك العدو لأراضينا وتحويلها لدويلات وزرع بذور الفتنة بيننا، وسرقته لأجمل ما في هذه الأراضي، ولو أنها -هذه البقعة الجغرافية البسيطة- منسوبة لبلاد الشام ولكن ليس فيها ما هو شامِيّ فلا إرث ولا حضارة ولا حتى جمال أخضر طبيعي فقد جففوا النهر وباعوا الأرض وتركوا لنا الحسرة.  إلا أننا شعب يحب الجمال ويتلمسه وكان فضل الله علينا عظيما حين منّ علينا بغابات البلوط، التي تمتد على مساحات واسعة تجعل من شمال البلاد لوحة بديعة ربيعًا وخريفًا وشتاءً. شجرة البلوط ذات الشكل الدائري المهندَس، متشابكة الأغصان لكثرتها وخضرتها الدائمة، وسرعة نموها، تعطيك مساحة من جمال تغذي به روحك، وتنقذك من سهام المدينة التي تكاد تصيبك بمقتل.  شفق أحمر وقمة مرتفعة في سلسلة هضاب خضراء، ونسمة عليلة لطيفة الهبوب تنعش ما تيبس فيك وترقق قلبك الذي قسته ظروف الحياة فكأنها تعيد ضبط مصنعك ويرجع قلبك بعدها نقي من غير سوء آية أخرى، فالحمدلله الذي خلق الجمال مؤنسًا والطبيعة ضابطة للفطرة مقومة لها.